الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
وَكُلُّ ثَيِّبٍ فَإِذْنُهَا فِي نِكَاحِهَا لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِكَلاَمِهَا بِمَا يُعْرَفُ بِهِ رِضَاهَا، وَكُلُّ بِكْرٍ فَلاَ يَكُونُ إذْنُهَا فِي نِكَاحِهَا إِلاَّ بِسُكُوتِهَا، فَإِنْ سَكَتَتْ فَقَدْ أَذِنَتْ وَلَزِمَهَا النِّكَاحُ، فَإِنْ تَكَلَّمَتْ بِالرِّضَا أَوْ بِالْمَنْعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَلاَ يَنْعَقِدُ بِهَذَا نِكَاحٌ عَلَيْهَا. برهان ذَلِكَ: مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبِكْرِ إذْنُهَا صُمَاتُهَا، وَمَا رُوِّينَاهُ عَنْ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ نَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ نَا أَبُو سَلَمَةَ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلاَ تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ إذْنُهَا قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ. قال أبو محمد: فَذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ الْخَوَالِفِ إلَى أَنَّ الْبِكْرَ إنْ تَكَلَّمَتْ بِالرِّضَا فَإِنَّ النِّكَاحَ يَصِحُّ بِذَلِكَ خِلاَفًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم،، فَسُبْحَانَ الَّذِي أَوْهَمَهُمْ أَنَّهُمْ أَصَحُّ أَذْهَانًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَوْقَعَ فِي نُفُوسِهِمْ أَنَّهُمْ وَقَفُوا عَلَى فَهْمٍ وَبَيَانٍ غَابَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعُوذُ بِاَللَّهِ عَنْ مِثْلِ هَذَا. فأما رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ أَبْطَلَ النِّكَاحَ كَمَا تَسْمَعُونَ عَنْ الْبِكْرِ مَا لَمْ تُسْتَأْذَنْ فَتَسْكُتَ، وَأَجَازَهُ إذَا اُسْتُأْذِنَتْ فَسَكَتَتْ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لاَ تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا. وَأَمَّا الصَّحَابَةُ فَإِنَّهُمْ كَمَا أَوْرَدْنَا فِي الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ آنِفًا لَمْ يَعْرِفُوا مَا إذْنُ الْبِكْرِ حَتَّى سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ، وَإِلَّا فَكَانَ سُؤَالُهُمْ عِنْدَ هَؤُلاَءِ فُضُولاً، وَحَاشَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ، فَتَنَبَّهَ هَؤُلاَءِ لِمَا لَمْ يَتَنَبَّهْ لَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ نَبَّهَ عَنْهُ عليه السلام، وَهَذَا كَمَا تَرَوْنَ. وَمَا عَلِمْنَا أَحَدًا مِنْ السَّلَفِ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ كَلاَمَ الْبِكْرِ يَكُونُ رِضًا، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلِيٍّ، وَغَيْرِهِمَا: أَنَّ إذْنَهَا هُوَ السُّكُوتُ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا قَوْلُ مَالِكٍ: إنَّ الْعَانِسَ الْبِكْرَ لاَ يَكُونُ إذْنُهَا إِلاَّ بِالْكَلاَمِ وَهَذَا مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِنَصِّ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ لأََنَّهُ أَوْجَبَ فَرْضًا عَلَى الْعَانِسِ مَا أَسْقَطَهُ عَنْ غَيْرِهَا فَلَوَدِدْنَا أَنْ يُعَرِّفُونَا الْحَدَّ الَّذِي إذَا بَلَغَتْهُ الْمَرْأَةُ انْتَقَلَ فَرْضُهَا إلَى مَا ذُكِرَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَالصَّدَاقُ، وَالنَّفَقَةُ، وَالْكِسْوَةُ مَقْضِيٌّ بِهَا لِلْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا الْمَمْلُوكِ كَمَا يُقْضَى بِهَا عَلَى الْحُرِّ، وَلاَ فَرْقَ سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً وَالصَّدَاقُ لِلأَمَةِ إِلاَّ أَنَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَنْتَزِعَهُ كَسَائِرِ مَالِهَا. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}. وَقَوْله تَعَالَى فِي الأَيَامَى: وَكَذَلِكَ أَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ النَّفَقَةَ، وَالْكِسْوَةَ، وَالْإِسْكَانَ عَلَى الأَزْوَاجِ لِلزَّوْجَاتِ، فَإِنْ عَجَزَ الْعَبْدُ أَوْ الْحُرُّ عَنْ الصَّدَاقِ أَوْ بَعْضِهِ، وَعَنْ النَّفَقَةِ، وَالْكِسْوَةِ أَوْ بَعْضِهَا، فَالصَّدَاقُ دَيْنٌ عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ، وَالنَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ سَاقِطَةٌ عَنْهُ، وَيُؤْخَذُ كُلٌّ مِنْ خَرَاجِ الْعَبْدِ وَمِنْ سَائِرِ كَسْبِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: يَبْدَأُ الْعَبْدُ بِنَفَقَتِهِ عَلَى أَهْلِهِ قَبْلَ الَّذِي عَلَيْهِ لِمَوَالِيهِ يَعْنِي نَفَقَةَ امْرَأَتِهِ. وقال أبو حنيفة، وَأَصْحَابُهُ: إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ مَوْلاَهُ فَالْمَهْرُ عَلَيْهِ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا وَجَبَ بَيْعُهُ فِي الصَّدَاقِ وَفِي النَّفَقَةِ، فَإِنْ فَدَاهُ السَّيِّدُ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ أَسْلَمَهُ لِلْمَرْأَةِ وَجَبَتْ رَقَبَتُهُ لِلْمَرْأَةِ مِلْكًا وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ. قَالُوا: فَلَوْ أَنْكَحَ عَبْدَهُ أَمَتَهُ فَلاَ يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى صَدَاقٍ أَصْلاً لاَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلاَ بَعْدَهُ. وقال مالك: الْمَهْرُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ وَيُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ إنْ وُهِبَ لَهُ، وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْ خَرَاجِهِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ وُهِبَ لَهُ، فَهُوَ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ إذَا أُعْتِقَ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: الْمَهْرُ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ إذَا أُعْتِقَ. وَقَالَ اللَّيْثُ: السَّيِّدُ ضَامِنٌ لِنَفَقَةِ الْمَرْأَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ مَالٌ، فَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ فَضْلُ مَالٍ أُخِذَتْ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَضْلُ مَالٍ عَنْ خَرَاجِهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا. وقال الشافعي: الصَّدَاقُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ. قال أبو محمد رضي الله عنه: تَخْصِيصُ الشَّافِعِيِّ الْمَأْذُونَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ لاَ وَجْهَ لَهُ، وَقَدْ يَكْسِبُ الْمَالَ مِنْ غَيْرِ التِّجَارَةِ، لَكِنْ بِعَمَلٍ أَوْ مِنْ صَنِيعَةٍ. وَأَمَّا قَوْلُ اللَّيْثِ: إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ عَنْ خَرَاجِهِ فَضْلٌ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ فَخَطَأٌ، لأََنَّهُ لاَ يَخْفَى مِنْ الْعَبِيدِ مَنْ لَهُ فَضْلٌ عَنْ خَرَاجِهِ مِمَّنْ لاَ فَضْلَ لَهُ عَنْهُ، لأََنَّهُ إذَا جَعَلَ الْخَرَاجَ لِلسَّيِّدِ لاَ يُخْرِجُ مِنْهُ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ فَقَدْ صَارَ النِّكَاحُ لَغْوًا إذَا تَيَقَّنَ أَنَّ الْفَسْخَ يَتْلُوهُ. وَأَمَّا تَخْصِيصُ مَالِكٍ أَنْ تُؤْخَذَ النَّفَقَةُ وَالصَّدَاقُ مِنْ غَيْرِ خَرَاجِهِ، فَقَوْلٌ بِلاَ برهان، لأََنَّ الْخَرَاجَ كَسَائِرِ كَسْبِ الْعَبْدِ لاَ يَكُونُ لِلسَّيِّدِ فِيهِ حَقٌّ أَصْلاً، إِلاَّ حَتَّى يَصِحَّ مِلْكُ الْعَبْدِ لَهُ بِإِجَازَتِهِ أَوْ بِبَيْعِهِ فِيهِ، فَإِذَا صَحَّ مِلْكُ الْعَبْدِ لَهُ كَانَ لِلسَّيِّدِ حِينَئِذٍ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ، وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ السَّيِّدَ لَمْ يَمْلِكْ قَطُّ مِنْ خَرَاجِ الْعَبْدِ فَلْسًا قَبْلَ أَنْ يَجِبَ لِلْعَبْدِ بِعِلْمِهِ أَوْ بِبَيْعِهِ فِيهِ، فَإِذَا صَارَ لِلْعَبْدِ فَلَيْسَ السَّيِّدُ أَوْلَى بِهِ مِنْ سَائِرِ مَنْ لَهُ عِنْدَ الْعَبْدِ حَقٌّ، كَالزَّوْجَةِ وَالْغُرَمَاءِ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لأََنَّهُ أَجَازَ نِكَاحًا بِلاَ صَدَاقٍ وَهَذَا خِلاَفُ الْقُرْآنِ كَمَا أَوْرَدْنَا ثُمَّ جَعَلَ نِكَاحَهُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِرِضَا سَيِّدِهِ وَوَطْأَهُ لأَمْرَأَتِهِ الَّتِي أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى وَطْأَهُ لَهَا وَيَأْجُرُهُ عَلَيْهِ جِنَايَةً وَدَيْنًا يُبَاعُ فِيهِ أَوْ تُسَلَّمُ رَقَبَتُهُ، وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ رَقَبَةَ الْعَبْدِ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ، فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَبَاحَ لَهَا مَالَ السَّيِّدِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا وَهَذَا كَلاَمٌ يُغْنِي سَمَاعُهُ عَنْ تَكَلُّفِ الرَّدِّ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ قَوْلٌ لاَ يُعْلَمُ أَحَدٌ قَالَهُ قَبْلَهُمْ. وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضَهُمْ فِي ذَلِكَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لاَ بَأْسَ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ عَبْدَهُ بِغَيْرِ مَهْرٍ. قال أبو محمد: وَهَذَا تَمْوِيهٌ مِنْ الَّذِي أَوْرَدَ هَذَا الْخَبَرَ، لأََنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ إنَّمَا عَنَى بِغَيْرِ ذِكْرِ مَهْرٍ، وَهَذَا جَائِزٌ لِكُلِّ أَحَدٍ حَتَّى إذَا طَلَبَتْهُ أَوْ طَلَبَهُ وَرَثَتُهَا قُضِيَ لَهَا أَوْ لَهُمْ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ. وَلاَ يَكُونُ الْكَافِرُ وَلِيًّا لِلْمُسْلِمَةِ، وَلاَ الْمُسْلِمُ وَلِيًّا لِلْكَافِرَةِ، الأَبُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ، وَالْكَافِرُ وَلِيٌّ لِلْكَافِرَةِ الَّتِي هِيَ وَلِيَّتُهُ يُنْكِحُهَا مِنْ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَقَالَ تَعَالَى: وَهُوَ قَوْلُ مَنْ حَفِظْنَا قَوْلَهُ، إِلاَّ ابْنَ وَهْبٍ صَاحِبَ مَالِكٍ قَالَ: إنَّ الْمُسْلِمَ يَكُونُ وَلِيًّا لأَبْنَتِهِ الْكَافِرَةِ فِي إنْكَاحِهَا مِنْ الْمُسْلِمِ أَوْ مِنْ الْكَافِرِ وَهَذَا خَطَأٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَجَائِزٌ لِوَلِيِّ الْمَرْأَةِ أَنْ يُنْكِحَهَا مِنْ نَفْسِهِ إذَا رَضِيَتْ بِهِ زَوْجًا وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَقْرَبَ إلَيْهَا مِنْهُ، وَإِلَّا فَلاَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ إلَى أَنْ لاَ يُنْكِحَهَا هُوَ مِنْ نَفْسِهِ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ النِّكَاحَ يَحْتَاجُ إلَى نَاكِحٍ وَمُنْكِحٍ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّاكِحُ هُوَ الْمُنْكِحُ. وَقَالَ أَصْحَابُ الْقِيَاسِ مِنْهُمْ: كَمَا لاَ يَبِيعُ مِنْ نَفْسِهِ كَذَلِكَ لاَ يُنْكِحُ مِنْ نَفْسِهِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ خَطَبَ بِنْتَ عَمِّهِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ فَأَرْسَلَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَقِيلٍ فَقَالَ: زَوِّجْنِيهَا فَقَالَ: مَا كُنْت لأََفْعَلَ، أَنْتَ أَمِيرُ الْبَلَدِ، وَابْنُ عَمِّهَا فَأَرْسَلَ الْمُغِيرَةُ إلَى عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ فَزَوَّجَهَا مِنْهُ. قال أبو محمد: الْمُغِيرَةُ، هُوَ ابْنُ شُعْبَةَ بْنِ أَبِي عَامِرِ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ مُغِيثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ ثَقِيفٍ. وَعُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ مُغِيثٍ الْمَذْكُورُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عَقِيلِ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ مُغِيثٍ الْمَذْكُورُ. وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ لاَ يَجْتَمِعُ مَعَهُمْ إِلاَّ فِي ثَقِيفٍ، لأََنَّهُ مِنْ وَلَدِ جُشَمَ بْنِ ثَقِيفٍ. وَحَدَّثَنَا بِهَذَا أَيْضًا: مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: إنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَمَرَ رَجُلاً أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً الْمُغِيرَةُ أَوْلَى بِهَا مِنْهُ. قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ النِّكَاحَ يَحْتَاجُ إلَى نَاكِحٍ وَمُنْكِحٍ فَنَعَمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّاكِحُ هُوَ الْمُنْكِحَ فَفِي هَذَا نَازَعْنَاهُمْ، بَلْ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ النَّاكِحُ هُوَ الْمُنْكِحَ، فَدَعْوَى كَدَعْوَى. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: كَمَا لاَ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ مِنْ نَفْسِهِ، فَهِيَ جُمْلَةٌ لاَ تَصِحُّ كَمَا ذَكَرُوا، بَلْ جَائِزٌ إنْ وُكِّلَ بِبَيْعِ شَيْءٍ أَنْ يَبْتَاعَهُ لِنَفْسِهِ إذَا لَمْ يُحَابِهَا بِشَيْءٍ. وَأَمَّا خَبَرُ الْمُغِيرَةِ فَلاَ حُجَّةَ فِيمَنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَبَقِيَ عَلَيْنَا أَنْ نَأْتِيَ بِالْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا، فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَتَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا وَأَوْلَمَ عَلَيْهَا بِحَيْسٍ. قال أبو محمد: فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَ مَوْلاَتَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَهُوَ الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ سِوَاهُ. وَأَيْضًا: فَإِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلاَهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَمَنْ أَنْكَحَ وَلِيَّتَهُ مِنْ نَفْسِهِ بِإِذْنِهَا فَقَدْ نُكِحَتْ بِإِذْنِ وَلِيِّهَا فَهُوَ نِكَاحٌ صَحِيحٌ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ عليه الصلاة والسلام أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ غَيْرَ النَّاكِحِ، وَلاَ بُدَّ، فَإِذْ لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ عليه الصلاة والسلام فَهُوَ جَائِزٌ. قَالَ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى: وَلاَ يَحِلُّ لِلزَّانِيَةِ أَنْ تَنْكِحَ أَحَدًا، لاَ زَانِيًا، وَلاَ عَفِيفًا حَتَّى تَتُوبَ، فَإِذَا تَابَتْ حَلَّ لَهَا الزَّوَاجُ مِنْ عَفِيفٍ حِينَئِذٍ. وَلاَ يَحِلُّ لِلزَّانِي الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ مُسْلِمَةً لاَ زَانِيَةً، وَلاَ عَفِيفَةً حَتَّى يَتُوبَ، فَإِذَا تَابَ حَلَّ لَهُ نِكَاحُ الْعَفِيفَةِ الْمُسْلِمَةِ حِينَئِذٍ. وَلِلزَّانِي الْمُسْلِمِ أَنْ يَنْكِحَ كِتَابِيَّةً عَفِيفَةً وَإِنْ لَمْ يَتُبْ، فَإِنْ وَقَعَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا فَهُوَ مَفْسُوخٌ أَبَدًا، فَإِنْ نَكَحَ عَفِيفٌ عَفِيفَةً ثُمَّ زَنَى أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا لَمْ يُفْسَخْ النِّكَاحُ بِذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ بِهَذَا طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا وَكِيعٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَرْوَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصُّدَائِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّ رَجُلاً أَتَى إلَيْهِ فَقَالَ: إنَّ لِي ابْنَةَ عَمٍّ أَهْوَاهَا، وَقَدْ كُنْت نِلْت مِنْهَا فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إنْ كَانَ شَيْئًا بَاطِنًا يَعْنِي الْجِمَاعَ فَلاَ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا ظَاهِرًا يَعْنِي الْقُبْلَةَ فَلاَ بَأْسَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ الأَوْدِيُّ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ سَابِطٍ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أُتِيَ بِمَحْدُودٍ تَزَوَّجَ غَيْرَ مَحْدُودَةٍ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، كِلاَهُمَا عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الَّذِي يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ بَعْدَ أَنْ زَنَى بِهَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لاَ يَزَالاَنِ زَانِيَيْنِ. وبه إلى عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ :، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، ثُمَّ اتَّفَقَ سُفْيَانُ، وَمَعْمَرٌ، قَالاَ جَمِيعًا :، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ أَنَّهُ سَأَلَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ الرَّجُلِ يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ ثُمَّ يَنْكِحُهَا فَقَالَ سَالِمٌ: سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ الآيَةَ. قال أبو محمد: الْقَوْلاَنِ مِنْهُ مُتَّفِقَانِ، لأََنَّهُ إنَّمَا أَبَاحَ نِكَاحَهَا بَعْدَ التَّوْبَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها: لاَ يَزَالاَنِ زَانِيَيْنِ مَا اصْطَحَبَا يَعْنِي: الرَّجُلَ يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً زَنَى بِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِي الْجَهْمِ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فِي الرَّجُلِ يَفْجُرُ بِالْمَرْأَةِ ثُمَّ يُرِيدُ نِكَاحَهَا قَالَ: لاَ يَزَالاَنِ زَانِيَيْنِ أَبَدًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: إذَا تَابَا وَأَصْلَحَا فَلاَ بَأْسَ يَعْنِي الرَّجُلَ يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ ثُمَّ يُرِيدُ نِكَاحَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ السَّائِبِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ فَجَرَ بِامْرَأَةٍ أَيَتَزَوَّجُهَا قَالَ: إنْ تَابَا وَأَصْلَحَا. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالاَ جَمِيعًا :، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لاَ يَنْكِحُ الْمَجْلُودُ إِلاَّ مَجْلُودَةً. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو هِلاَلٍ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَقَدْ هَمَمْت أَنْ لاَ أَدَعَ أَحَدًا أَصَابَ فَاحِشَةً فِي الإِسْلاَمِ يَتَزَوَّجُ مُحْصَنَةً، فَقَالَ لَهُ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: الشِّرْكُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، فَقَدْ يُقْبَلُ مِنْهُ إذَا تَابَ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ: سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: الزَّانِي لاَ يَنْكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً قَالَ: هُوَ حُكْمٌ بَيْنَهُمَا. وَصَحَّ مِثْلُ هَذَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَصِلَةَ بْنِ أَشْيَمَ وَعَطَاءٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَمَكْحُولٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَابْنِ قُسَيْطٍ، وَقَتَادَةَ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدْ جَاءَ إبَاحَةُ نِكَاحِهِمَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ. قال أبو محمد: وَالْحُجَّةُ لِقَوْلِنَا هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: قال أبو محمد: وَهَذِهِ دَعْوَى بِلاَ برهان، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ: هَذَا مَنْسُوخٌ إِلاَّ بِيَقِينٍ يَقْطَعُ بِهِ، لاَ بِظَنٍّ لاَ يَصِحُّ وَإِنَّمَا الْفَرْضُ اسْتِعْمَالُ النُّصُوصِ كُلِّهَا. فَمَعْنَى قوله تعالى: وَقَوْله تَعَالَى قال أبو محمد وَهَذِهِ دَعْوَى أُخْرَى بِلاَ برهان، وَتَخْصِيصٌ لِلآيَةِ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ، وَلَوْ كَانَ مَا قَالُوهُ لَحُرِّمَ عَلَى الزَّوْجِ وَطْءُ زَوْجَتِهِ إذَا زَنَتْ وَهَذَا لاَ يَقُولُونَهُ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا حُرِّمَ وَطْؤُهَا بِالزِّنَا فَقَطْ قلنا: وَهَذِهِ زِيَادَةٌ فِي التَّخْصِيصِ بِلاَ برهان، وَدَعْوَى كَاذِبَةٌ بِيَقِينٍ، إذْ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهَا، وَهَذَا لاَ يَحِلُّ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَعَ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ كَاذِبٌ بِيَقِينِ، لأََنَّنَا قَدْ نَجِدُ الزَّانِيَ يَسْتَكْرِهُ الْعَفِيفَةَ الْمُسْلِمَةَ فَيَكُونُ زَانِيًا بِغَيْرِ زَانِيَةٍ وَحَاشَ لِلَّهِ مِنْ أَنْ نَقُولَ مَا يَدْفَعُهُ الْعِيَانُ. وَإِنَّمَا الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ رضي الله عنهما بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، فَكَمَا حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دُحَيْمٍ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: بَيْنَمَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فِي الْمَسْجِدِ إذْ جَاءَ رَجُلٌ فَلاَثَ عَلَيْهِ لَوْثًا مِنْ كَلاَمٍ وَهُوَ دَهِشٌ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: قُمْ فَانْظُرْ فِي شَأْنِهِ، فَإِنَّ لَهُ شَأْنًا. فَقَامَ إلَيْهِ عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ: إنَّ ضَيْفًا ضَافَنِي فَزَنَى بِابْنَتِهِ فَضَرَبَ عُمَرُ فِي صَدْرَهُ، وَقَالَ لَهُ: قَبَّحَك اللَّهُ، أَلاَ سَتَرْت عَلَى ابْنَتِك، فَأَمَرَ بِهِمَا أَبُو بَكْرٍ فَضُرِبَا الْحَدَّ، ثُمَّ زَوَّجَ أَحَدَهُمَا الآخَرَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِمَا أَنْ يُغَرَّبَا حَوْلاً. قال أبو محمد: هَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لأََنَّ الأَظْهَرَ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ تَوْبَتِهِمَا وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، لأََنَّ فِيهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ غَرَّبَهُمَا حَوْلاً، وَالْحَنَفِيُّونَ لاَ يَرَوْنَ تَغْرِيبًا فِي الزِّنَا جُمْلَةً. وَالْمَالِكِيُّونَ لاَ يَرَوْنَ تَغْرِيبَ الْمَرْأَةِ فِي الزِّنَا. فَهَذَا فِعْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، بِخِلاَفِهِمْ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا حَبِيبٌ هُوَ الْمُعَلِّمُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ إلَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، فَقَالَ لَهُ: أَلاَ تَعْجَبُ مِنْ الْحَسَنِ يَزْعُمُ أَنَّ الْمَجْلُودَ الزَّانِيَ لاَ يَنْكِحُ إِلاَّ مِثْلَهُ، يَتَأَوَّلُ بِذَلِكَ هَذِهِ الآيَةَ الزَّانِي لاَ يَنْكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ: وَمَا تَعْجَبُ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ يَنْكِحُ الزَّانِي الْمَجْلُودُ إِلاَّ مِثْلَهُ. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو يُنَادِي بِهِ نِدَاءً :، حَدَّثَنَا حُمَامٌ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، حَدَّثَنَا بَكْرٌ، هُوَ ابْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ قَالَ: سَمِعْت أَبِي يَقُولُ: حَدَّثَنِي الْحَضْرَمِيُّ بْنُ لاَحِقٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَأْذَنَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فِي امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ مَهْزُولٍ أَوْ ذَكَرَ لَهُ أَمْرَهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّانِي لاَ يَنْكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً، فَأُنْزِلَتْ وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنْكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبَانُ، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ عَنْ يَحْيَى، هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَارِظٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي حَدِيثٍ: وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ. قال أبو محمد: لاَ يُسَمَّى فِي الدَّيَّانَةِ، وَلاَ فِي اللُّغَةِ أُجْرَةُ الزِّنَا مَهْرًا، إنَّمَا الْمَهْرُ فِي الزَّوَاجِ، فَإِذَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَهْرَهَا فَقَدْ حَرَّمَ زَوَاجَهَا، إذْ لاَ بُدَّ فِي الزَّوَاجِ مِنْ مَهْرٍ ضَرُورَةً، هَذَا لاَ إشْكَالَ فِيهِ، فَإِذَا تَابَتْ فَلَيْسَ مَهْرُهَا مَهْرَ بَغِيٍّ فَهُوَ حَلاَلٌ، وَمَنْ ادَّعَى غَيْرَ هَذَا، فَقَدْ ادَّعَى مَا لاَ برهان لَهُ بِهِ، فَهُوَ بَاطِلٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الَّتِي تَزَوَّجَهَا عَفِيفٌ وَهِيَ عَفِيفَةٌ ثُمَّ زَنَى أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا، فَإِنَّمَا قلنا: إنَّهُ لاَ يُفْسَخُ نِكَاحُهُمَا لِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ نَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ رِئَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ تَحْتِي امْرَأَةً جَمِيلَةً لاَ تَرُدُّ يَدَ لاَمِسٍ قَالَ طَلِّقْهَا، قَالَ: إنِّي لاَ أَصْبِرُ عَنْهَا قَالَ: فَأَمْسِكْهَا. وَقَدْ أَقَرَّ مَاعِزٌ بِالزِّنَا وَهُوَ مُحْصَنٌ فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ أَبِكْرٌ أَمْ ثَيِّبٌ فَقِيلَ لَهُ: بَلْ ثَيِّبٌ، فَأَمَرَ بِرَجْمِهِ وَلَمْ يَفْسَخْ نِكَاحَهُ. وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا خِلاَفٌ قَدِيمٌ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الْبِكْرِ إذَا زَنَى قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِأَهْلِهِ: جَلْدُ الْحَدِّ، فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ، وَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ، فَإِنْ زَنَتْ هِيَ جُلِدَتْ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَلاَ صَدَاقَ لَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ الأَوْدِيُّ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: الْبِكْرُ إذَا زَنَتْ جُلِدَتْ وَفُرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَلَيْسَ لَهَا شَيْءٌ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إذَا رَأَى أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ فَلاَ يَقْرَبَنَّهَا وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وطَاوُوس، وَالنَّخَعِيِّ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ وَلَكِنْ لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَهَاهُنَا خَبَرٌ لَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ بَصْرَةَ بْنِ أَكْثَمَ أَنَّ امْرَأَةً زَنَتْ؛ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَدَهَا عَبْدًا لِزَوْجِهَا، وَلاَ نَعْلَمُ لِسَعِيدٍ سَمَاعًا مِنْ بَصْرَةَ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: نَضْرَةَ. وَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يَخْطُبَ امْرَأَةً مُعْتَدَّةً مِنْ طَلاَقٍ أَوْ وَفَاةٍ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ تَمَامِ الْعِدَّةِ فُسِخَ أَبَدًا دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، طَالَتْ مَدَّتُهُ مَعَهَا أَوْ لَمْ تَطُلْ، وَلاَ تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا، وَلاَ نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ، وَلاَ صَدَاقَ، وَلاَ مَهْرَ لَهَا. فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَالِمًا فَعَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا مِنْ الرَّجْمِ وَالْجَلْدِ، وَكَذَلِكَ إنْ عَلِمَا جَمِيعًا، وَلاَ يُلْحَقُ الْوَلَدُ بِهِ إنْ كَانَ عَالِمًا. وَإِنْ كَانَا جَاهِلَيْنِ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا جَاهِلاً، فَلاَ حَدَّ عَلَى الْجَاهِلِ، فَإِنْ كَانَ هُوَ الْجَاهِلَ فَالْوَلَدُ بِهِ لاَحِقٌ، فَإِذَا فُسِخَ النِّكَاحُ وَتَمَّتْ عِدَّتُهَا فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إنْ أَرَادَتْ ذَلِكَ كَسَائِرِ النَّاسِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَلَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ طَلاَقَ ثَلاَثٍ. وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ تَكُونُ تَحْتَهُ الأَمَةُ وَيَدْخُلُ بِهَا فَتَعْتِقُ فَتُخَيَّرُ فَتَخْتَارُ فِرَاقَهُ وَيُفْسَخُ نِكَاحُهُ فَتَعْتَدُّ بِحَمْلٍ أَوْ بِالأَطْهَارِ أَوْ بِالشُّهُورِ، فَلَهُ وَحْدَهُ دُونَ سَائِرِ النَّاسِ أَنْ يَخْطُبَهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ فَإِنْ رَضِيَتْ بِهِ فَلَهُ نِكَاحُهَا وَوَطْؤُهَا. برهان مَا قلنا: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لاَ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفًا وَلاَ تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ}. وَأَمَّا قَوْلُنَا: لاَ تَوَارُثَ، وَلاَ نَفَقَةَ، وَلاَ كِسْوَةَ، وَلاَ صَدَاقَ بِكُلِّ حَالٍ جَهْلاً أَوْ عِلْمًا، فَلأََنَّهُ لَيْسَ نِكَاحَهَا، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَلَّ النِّكَاحَ وَلَمْ يُحِلَّ هَذَا الْعَقْدَ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ، فَإِذْ لَيْسَ نِكَاحًا فَلاَ تَوَارُثَ، وَلاَ كِسْوَةَ، وَلاَ نَفَقَةَ، إِلاَّ فِي نِكَاحٍ. وَأَمَّا إلْحَاقُ الْوَلَدِ بِالرَّجُلِ الْجَاهِلِ فَلاَ خِلاَفَ فِيهِ. وَأَمَّا وُجُوبُ الْحَدِّ عَلَى الْعَالِمِ فَلأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: وَأَمَّا الْمُعْتَقَةُ تُخَيَّرُ: فَلأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا لَوْ رَاجَعْتِيهِ وَسَنَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّ النَّاكِحَ فِي الْعِدَّةِ الْوَاطِئَ فِيهَا جَاهِلاً كَانَ أَوْ عَالِمًا فَحُدَّ وَكَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ وَلَمْ تُحَدَّ هِيَ لِجَهْلِهَا أَوْ لَمْ تُرْجَمْ، لأََنَّهَا كَانَتْ بِكْرًا مُعْتَدَّةً مِنْ وَفَاةٍ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ تَمَامِ عِدَّتِهَا الَّتِي تَزَوَّجَهَا فِيهَا، فَلأََنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ذَكَرَ لَنَا كُلَّ مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا مِنْ النِّسَاءِ فِي قوله تعالى: وقال مالك، وَاللَّيْثُ: وَلاَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَمَا لِمَنْ قَالَ هَذَا حُجَّةٌ أَصْلاً إِلاَّ شَغْبَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنَّهُمْ قَالُوا: تَعَجَّلَ شَيْئًا قَبْلَ وَقْتِهِ فَوَاجِبٌ أَنْ يُحَرَّمَ عَلَيْهِ فِي الأَبَدِ كَالْقَاتِلِ الْعَامِدِ يُمْنَعُ الْمِيرَاثَ. قال أبو محمد: وَهَذَا مِنْ أَسْخَفِ قَوْلٍ يُسْمَعُ، قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ: مِنْ أَيْنَ وَضَحَ لَهُمْ تَحْرِيمُ الْمِيرَاثِ عَلَى الْقَاتِلِ، وَلاَ نَصَّ يَصِحُّ فِيهِ، وَلاَ إجْمَاعَ قَدْ أَوْجَبَ الْمِيرَاثَ لِقَاتِلِ الْعَمْدِ: الزُّهْرِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَغَيْرُهُمَا. ثُمَّ مِنْ أَيْنَ لَهُمْ أَنَّ مَنْ تَعَجَّلَ شَيْئًا قَبْلَ وَقْتِهِ وَجَبَ أَنْ يُحَرَّمَ عَلَيْهِ أَبَدًا وَأَيُّ نَصٍّ جَاءَ بِهَذَا أَوْ أَيُّ عَقْلٍ دَلَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ أَنَّ الْقَاتِلَ يُمْنَعُ مِنْ الْمِيرَاثِ فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ لِتَعَجُّلِهِ إيَّاهُ قَبْلَ وَقْتِهِ وَكُلُّ هَذَا كَذِبٌ وَظَنٌّ فَاسِدٌ وَتَخَرُّصٌ بِالْبَاطِلِ، وَيَلْزَمُهُمْ إنْ طَرَدُوا هَذَا الدَّلِيلَ السَّخِيفَ أَنْ يَقُولُوا فِيمَنْ غَصَبَ مَالَ مُوَرِّثِهِ: أَنْ يُحَرَّمَ عَلَيْهِ فِي الأَبَدِ، لأََنَّهُ اسْتَعْجَلَهُ قَبْلَ وَقْتِهِ. وَأَنْ يَقُولُوا فِي امْرَأَةٍ سَافَرَتْ فِي عِدَّتِهَا: أَنْ يُحَرَّمَ عَلَيْهَا السَّفَرُ أَبَدًا. وَمَنْ تَطَيَّبَ فِي إحْرَامِهِ: أَنْ يُحَرَّمَ عَلَيْهِ الطِّيبُ أَبَدًا. وَأَنْ يَقُولُوا فِيمَنْ اشْتَهَى شَيْئًا وَهُوَ صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ فَأَكَلَهُ؛ أَوْ وَطِئَ جَارِيَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ وَهُوَ صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ أَوْ وَهِيَ حَائِضٌ: أَنْ يُحَرَّمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الطَّعَامُ فِي الأَبَدِ، وَتُحَرَّمَ تِلْكَ الأَمَةُ أَوْ امْرَأَتُهُ فِي الأَبَدِ، لأََنَّهُ تَعَجَّلَ كُلَّ ذَلِكَ قَبْلَ وَقْتِهِ، وَاَلَّذِي يَلْزَمُهُمْ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا. وَالثَّانِيَةُ رِوَايَةٌ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه مُنْقَطِعَةٌ: مِنْهَا: مَا حَدَّثَنَاهُ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: قُلْت لِلشَّعْبِيِّ: رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً فَجَاءَ آخَرُ فَتَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهَا فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا، وَتُكْمِلُ عِدَّتَهَا الْأُولَى، وَتَأْتَنِفُ مِنْ هَذِهِ عِدَّةً جَدِيدَةً، وَيُجْعَلُ صَدَاقُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَلاَ يَتَزَوَّجُهَا أَبَدًا وَيَصِيرُ الأَوَّلُ خَاطِبًا. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَتُكْمِلُ عِدَّتَهَا الْأُولَى، وَتَسْتَقْبِلُ مِنْ هَذَا عِدَّةً جَدِيدَةً وَلَهَا الصَّدَاقُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، وَيَصِيرُ كِلاَهُمَا خَاطِبَيْنِ قَدْ أَخْبَرْتُكَ بِقَوْلِ هَذَيْنِ، فَإِنْ أَخْبَرْتُكَ بِرَأْيٍ فَبُلْ عَلَيْهِ. وَجَاءَ هَذَا عَنْ عُمَرَ مِنْ طُرُقٍ لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ يَتَّصِلُ، وَرُوِيَ خِلاَفُهَا كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ. قال أبو محمد: لاَ عَجَبَ أَعْجَبُ مِنْ تَعَلُّقِ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ بِرِوَايَاتٍ مُنْقَطِعَةٍ عَنْ عُمَرَ قَدْ خَالَفَهُ عَلِيٌّ فِيهَا، فَمَنْ جَعَلَ قَوْلَ أَحَدِهِمَا أَوْلَى مِنْ الآخَرِ بِلاَ برهان وَثَانِيَةٌ أَنَّهُمْ قَدْ خَالَفُوا عُمَرَ فِيمَا صَحَّ عَنْهُ يَقِينًا مِنْ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ إذْ جَعَلَ مَهْرَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، كِلاَهُمَا عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّ امْرَأَةً نُكِحَتْ فِي عِدَّتِهَا فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا عُمَرُ، وَجَعَلَ مَهْرَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَقَالَ: نِكَاحُهَا حَرَامٌ، وَمَهْرُهَا حَرَامٌ. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا أُبَيٌّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ، أَوْ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ نَضْلَةَ عَنْ مَسْرُوقٍ شَكَّ دَاوُد فِي أَحَدِهِمَا وَقَالَ: رُفِعَ إلَى عُمَرَ امْرَأَةٌ نُكِحَتْ فِي عِدَّتِهَا، فَقَالَ: لَوْ أَنَّكُمَا عَلِمْتُمَا لَرَجَمْتُكُمَا، فَضَرَبَهُمَا أَسْوَاطًا، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَجَعَلَ الْمَهْرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالَ: لاَ أُجِيزُ مَهْرًا لاَ أُجِيزُ نِكَاحَهُ. قال أبو محمد: عُبَيْدُ بْنُ نَضْلَةَ إمَامٌ ثِقَةٌ. وَمَسْرُوقٌ كَذَلِكَ، فَلاَ نُبَالِي عَنْ أَيِّهِمَا رَوَاهُ وَقَدْ ثَبَتَ دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَلَى أَنَّهُ عَنْ أَحَدِهِمَا بِلاَ شَكٍّ. قَالَ عَلِيٌّ: فَخَالَفُوهُ فِي جَعْلِ مَهْرِهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَهُوَ الثَّابِتُ عَنْ عُمَرَ، فَهَانَ عَلَيْهِمْ خِلاَفُهُ فِي الْحَقِّ، وَاتَّبَعُوهُ فِيمَا لاَ برهان عَلَى صِحَّتِهِ فِيمَا قَدْ خَالَفَهُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا أَوْرَدْنَا. وَثَالِثَةٌ وَهِيَ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ رُجُوعُ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ: كَمَا رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عُمَرَ قَالَ: مَهْرُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَلاَ يَجْتَمِعَانِ يَعْنِي الَّتِي نُكِحَتْ فِي الْعِدَّةِ وَدَخَلَ بِهَا الَّذِي نَكَحَهَا. وَقَالَ سُفْيَانُ: فَأَخْبَرَنِي أَشْعَثُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّ عُمَرَ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَجَعَلَ لَهَا مَهْرَهَا، وَجَعَلَهُمَا يَجْتَمِعَانِ. فَأَيُّ شَيْءٍ أَعْجَبُ مِنْ تَمَادِيهِمَا عَلَى خِلاَفِ عُمَرَ فِي الثَّابِتِ عَنْهُ مِنْ أَنْ يَجْعَلَ مَهْرَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَعَلَى قَوْلِهِ قَدْ رَجَعَ عُمَرُ عَنْهَا وَكَفَى بِهِمَا خَطَأً. وَرَابِعَةٌ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ مَا حَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ نَا ابْنُ مُفَرِّجٍ نَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِالْجَابِيَةِ نَكَحَتْ عَبْدَهَا فَانْتَهَرَهَا عُمَرُ وَهَمَّ أَنْ يَرْجُمَهَا وَقَالَ لَهَا: لاَ يَحِلُّ لَك مُسْلِمٌ بَعْدَهُ. فَهَذَا أَصَحُّ سَنَدٍ عَنْ عُمَرَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلَيْهِ وَلَجُّوا فِي الْخَطَأِ تَقْلِيدًا لِخَطَأِ مَالِكٍ بَعْدَ رُجُوعِ عُمَرَ عَنْهُ وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا قَوْلُهُمْ: مَنْ اشْتَرَى أَمَةً فَوَجَدَهَا حَامِلاً مِنْ زَوْجٍ كَانَ لَهَا فَمَاتَ بَعْدَ أَنْ وَطِئَهَا، فَإِنَّهُ لاَ تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا، وَلاَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ. وَقَالُوا: مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لاَ زَوْجَ لَهَا فَدَخَلَ بِهَا فَوَطِئَهَا، ثُمَّ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ مِنْ زِنًى أَوْ مِنْ غَصْبٍ كَانَ بِهَا قَبْلَ نِكَاحِهِ، فَإِنَّهَا لاَ تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا، مَا نَدْرِي لِمَاذَا وَقَالُوا: مَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً أُعْتِقَتْ قَبْلَ أَنْ تُتِمَّ حَيْضَةً بَعْدَ عِتْقِهَا فَدَخَلَ بِهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ فِي الأَبَدِ فَلَجُّوا هَذَا اللَّجَاجَ الْفَاسِدَ. ثُمَّ لَمْ يَلْبَثُوا أَنْ قَالُوا: مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَهَا زَوْجٌ قَائِمٌ حَيٌّ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ يَظُنَّانِ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ أَوْ يُوقِنَانِ بِحَيَاتِهِ، فَدَخَلَ بِهَا فَوَطِئَهَا: أَنَّهَا لاَ تُحَرَّمُ عَلَيْهِ فِي الأَبَدِ، بَلْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ أَوْ مَاتَ. وَهَذَا هُوَ الْمُسْتَعْجِلُ قَبْلَ الْوَقْتِ بِلاَ شَكٍّ. وَقَالُوا: مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَمْ تُحَرَّمْ عَلَيْهِ فِي الأَبَدِ، فَرَأَوْا الزِّنَا أَخَفَّ مِنْ زَوَاجِ الْجَاهِلِ فِي الْعِدَّةِ وَرَأَوْا مَا لاَ حَدَّ فِيهِ، وَلاَ إثْمَ لِلْجَهَالَةِ أَغْلَظَ مِنْ الْحَرَامِ الْمُتَيَقَّنِ فَهَلْ فِي الْعَجَبِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ. وَمَنْ انْفَسَخَ نِكَاحُهُ بَعْدَ صِحَّتِهِ بِمَا يُوجِبُ فَسْخَهُ فَلَهَا الْمَهْرُ الْمُسَمَّى كُلُّهُ، فَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لَهَا صَدَاقًا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} فَالصَّدَاقُ وَاجِبٌ لَهَا بِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَدَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ فَإِذَا انْفَسَخَ فَحَقُّهَا فِي الصَّدَاقِ بَاقٍ، كَمَا لَوْ مَاتَ، وَلاَ فَرْقَ. وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا فِي الْفَسْخِ قَبْلَ الدُّخُولِ إِلاَّ نِصْفُ الصَّدَاقِ فَإِنَّمَا قَالَهُ قِيَاسًا عَلَى الطَّلاَقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلاً، لأََنَّ الطَّلاَقَ فِعْلُ الْمُطَلِّقِ، وَالْفَسْخَ لَيْسَ فِعْلَهُ، فَلاَ تَشَابُهَ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالطَّلاَقِ، بَلْ الْفَسْخُ بِالْمَوْتِ أَشْبَهُ، لأََنَّهُمَا يَقَعَانِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الزَّوْجِ، وَلاَ يَقَعُ الطَّلاَقُ إِلاَّ بِاخْتِيَارِهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ أَسْقَطَ جَمِيعَ الصَّدَاقِ فِي بَعْضِ وُجُوهِ الْفَسْخِ إذَا جَاءَ الْفَسْخُ مِنْ قِبَلِهَا فَقَوْلُهُ بَاطِلٌ، لأََنَّهُ إسْقَاطٌ لِمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِلاَ برهان وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ الَّذِي سُمِّيَ لَهَا وَكَذَلِكَ لَوْ دَخَلَ بِهَا وَلَمْ يَطَأْهَا طَالَ مُقَامُهُ مَعَهَا أَوْ لَمْ يَطُلْ هَذَا فِي كُلِّ مَهْرٍ كَانَ بِصِفَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، كَعَدَدٍ، أَوْ وَزْنٍ، أَوْ كَيْلٍ، أَوْ شَيْءٍ مَوْصُوفٍ، أَوْ فِي مَكَان بِعَيْنِهِ إنْ وُجِدَ صَحِيحًا، وَسَوَاءٌ كَانَ تَزَوَّجَهَا بِصَدَاقٍ مُسَمًّى فِي نَفْسِ الْعَقْدِ أَوْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَتَرَاضَيَا، فَقُضِيَ لَهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: فأما الأَخْتِلاَفُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ كَوْنِ الصَّدَاقِ مَفْرُوضًا فِي الْعَقْدِ، وَبَيْنَ تَرَاضِيهِمَا بَعْدَ الْعَقْدِ، أَوْ الْحُكْمِ لَهَا بِهِ عَلَيْهِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ قَالُوا: إنَّمَا يُقْضَى لَهَا بِنِصْفِ الصَّدَاقِ إذَا كَانَ الصَّدَاقُ مَفْرُوضًا لَهَا فِي نَفْسِ الْعَقْدِ وَأَمَّا إنْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ اخْتَلَفَا فِيهِ فَحُكِمَ عَلَيْهِ بِمَهْرِ مِثْلِهَا فَهَاهُنَا إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلاَ شَيْءَ لَهَا إِلاَّ الْمُتْعَةُ. وقال مالك وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ: لَهَا النِّصْفُ فِي كُلِّ ذَلِكَ. قال أبو محمد: وَبِهَذَا نَأْخُذُ؛ لأََنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ عُمُومٌ} لِكُلِّ صَدَاقٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ فَرَضَهُ النَّاكِحُ فِي الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ، وَلَمْ يَقُلْ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَمَّا الَّذِي فَرَضَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ صَدَاقَ مِثْلِهَا، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَبَى مِنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَحُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ الصَّادِقِ: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} مُوجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا أَحَدَ وَجْهَيْنِ، لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا ضَرُورَةً: إمَّا مَا رَضِيَتْ، وَأَمَّا مَهْرُ مِثْلِهَا، فَأَيُّهُمَا لَزِمَهُ بِرِضَاهُ أَوْ بِحُكْمِ حَقٍّ فَقَدْ فَرَضَهُ لَهَا، إذْ عَقَدَ نِكَاحَهَا يَقِينًا فِي عِلْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَدْ وَجَبَ لَهَا فِي مَالِهِ وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ خَالَفَ هَذَا حُجَّةً أَصْلاً. وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: وَأَمَّا مَنْ دَخَلَ بِزَوْجَتِهِ وَلَمْ يَطَأْهَا طَالَ مُقَامُهُ مَعَهَا أَوْ لَمْ يَطُلْ فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى قَالَ: قَضَى الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ: أَنَّهُ إذَا أَغْلَقَ الْبَابَ، وَأَرْخَى السِّتْرَ: فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ: إذَا أَرْخَى السِّتْرَ، أَوْ أَغْلَقَ الْبَابَ: فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إذَا أَرْخَيْت السِّتْرَ وَغَلَّقْت الأَبْوَابَ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ وَهَذَا صَحِيحٌ عَنْ عُمَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نَا يَزِيدُ، هُوَ ابْنُ هَارُونَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهما قَالاَ جَمِيعًا: إذَا أُرْخِيَتْ السُّتُورُ: فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إذَا أُغْلِقَ الْبَابُ وَأُرْخِيَ السِّتْرُ: فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ الْحَكَمِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَقَالَ عِنْدَهَا، ثُمَّ رَاحَ وَفَارَقَهَا، فَأَرْسَلَ مَرْوَانُ إلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ زَيْدٌ: لَهَا الصَّدَاقُ، فَقَالَ مَرْوَانُ: إنَّهُ مِمَّنْ لاَ يُتَّهَمُ، فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: أَرَأَيْت لَوْ حَمَلَتْ أَكُنْت تَرْجُمُهَا قَالَ: لاَ، فَقَالَ زَيْدٌ: بَلَى. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو النَّضْرِ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِثْلَهُ وَفِي آخِرِهِ: فَلِذَلِكَ تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ فِي مِثْلِ هَذَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلُ قَوْلِ عَلِيٍّ، وَعُمَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الرُّكَيْنِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ حَنْظَلَةَ: أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ قَضَى فِي امْرَأَةِ عِنِّينٍ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِجَمِيعِ الصَّدَاقِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ وَعَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ فِي الَّتِي دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا وَلَمْ يَطَأْهَا: إنَّ الصَّدَاقَ لَهَا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَلاَ رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا. وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَصَحَّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَضَى بِهِ فِي عِنِّينٍ. وَعَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ وَزَادَ: وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا. وَعَنْ عَطَاءٍ مِثْلُ قَوْلِ عَبْدِ الْكَرِيمِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ " رَتْقَاءَ " فَلاَ يَجِبُ لَهَا إِلاَّ نِصْفُ الصَّدَاقِ. وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ قَوْلاً آخَرَ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي رَجُلٍ اخْتَلَى بِامْرَأَةٍ وَلَمْ يُخَالِطْهَا بِالصَّدَاقِ كَامِلاً، يَقُولُ: إذَا خَلاَ بِهَا وَلَمْ يُغْلِقْ بَابًا، وَلاَ أَرْخَى سِتْرًا. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ قَالَ: قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: كَانَ يُقَالُ: إذَا رَأَى مِنْهَا مَا يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ فَلَهَا الصَّدَاقُ. وقال أبو حنيفة: إذَا خَلاَ بِهَا فِي بَيْتِهَا وَطِئَ أَوْ لَمْ يَطَأْ فَالْمَهْرُ كُلُّهُ لَهَا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُحْرِمًا، أَوْ أَحَدُهُمَا مَرِيضًا، أَوْ كَانَتْ هِيَ حَائِضًا، أَوْ صَائِمَةً فِي رَمَضَانَ، فَلَيْسَ لَهَا فِي كُلِّ ذَلِكَ إِلاَّ نِصْفُ الْمَهْرِ فَلَوْ خَلاَ بِهَا وَهُوَ صَائِمٌ صِيَامَ فَرْضٍ فِي ظِهَارٍ، أَوْ نَذْرٍ، أَوْ قَضَاءِ رَمَضَانَ، فَعَلَيْهِ الصَّدَاقُ كُلُّهُ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، فَلَوْ خَلاَ بِهَا فِي صَحْرَاءَ، أَوْ فِي مَسْجِدٍ، أَوْ فِي سَطْحٍ لاَ حُجْرَةَ عَلَيْهِ، فَلَيْسَ لَهَا إِلاَّ نِصْفُ الصَّدَاقِ. قال أبو محمد: هَذِهِ أَقْوَالٌ لَمْ تَأْتِ قَطُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ، وَلاَ جَاءَ بِهَا قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ قِيَاسٌ، وَلاَ رَأْيٌ سَدِيدٌ. وقال مالك: إذَا خَلاَ بِهَا فَقَبَّلَهَا أَوْ كَشَفَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَرِيبًا فَلَيْسَ لَهَا إِلاَّ نِصْفُ الصَّدَاقِ، فَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ حَتَّى أَخْلَقَ ثِيَابَهَا، فَلَهَا الْمَهْرُ كُلُّهُ. قال أبو محمد: وَهَذَا قَوْلٌ لاَ يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلَيْتَ شِعْرِي كَمْ حَدُّ هَذَا التَّطَاوُلِ النَّاقِلِ عَنْ حُكْمِ الْقُرْآنِ، وَمَا حَدُّ الْإِخْلاَقِ لِهَذِهِ الثِّيَابِ. وَهَاهُنَا قَوْلٌ آخَرُ كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَهَا النِّصْفُ وَإِنْ جَلَسَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ثنا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، هُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ طَاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي رَجُلٍ دَخَلَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا، فَزَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَمَسَّهَا: عَلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي لَيْثٌ عَنْ طَاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لاَ يَجِبُ الصَّدَاقُ وَافِيًا حَتَّى يُجَامِعَهَا وَلَهَا نِصْفُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نَا هُشَيْمٌ أَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ مِقْسَمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ بَابًا، وَلاَ سِتْرًا إذَا زَعَمَ أَنْ لَمْ يَمَسَّهَا فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عَمْرَو بْنَ نَافِعٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَكَانَتْ قَدْ أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ، فَزَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَبْهَا، وَزَعَمَتْ أَنَّهُ قَرِبَهَا، فَخَاصَمَتْهُ إلَى شُرَيْحٍ، فَقَضَى شُرَيْحٌ بِيَمِينِ عَمْرٍو " بِاَللَّهِ الَّذِي لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ مَا قَرِبْتُهَا " وَقَضَى عَلَيْهِ لَهَا بِنِصْفِ الصَّدَاقِ. قال أبو محمد: كَانَتْ هَذِهِ الْمُطَلَّقَةُ بِنْتَ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ هُوَ مُعَاذٌ الْعَنْبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى إغْلاَقَ الْبَابِ، وَلاَ إرْخَاءَ السِّتْرِ شَيْئًا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ زَكَرِيَّا، هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ يَعْنِي الَّتِي دَخَلَ بِهَا وَلَمْ يَقُلْ: أَنَّهُ مَسَّهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لاَ يَجِبُ الصَّدَاقُ وَافِيًا حَتَّى يُجَامِعَهَا، إنْ أَغْلَقَ عَلَيْهَا الْبَابَ، قُلْت لَهُ: فَإِذَا وَجَبَ الصَّدَاقُ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ، قَالَ: أَوَ يَقُولُ أَحَدٌ غَيْرَ ذَلِك وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: لاَ يَجِبُ الصَّدَاقُ وَالْعِدَّةُ إِلاَّ بِالْمُلاَمَسَةِ الْبَيِّنَةِ: تَزَوَّجَ رَجُلٌ جَارِيَةً فَأَرَادَ سَفَرًا فَأَتَاهَا فِي بَيْتِهَا مُخْلِيَةً لَيْسَ عِنْدَهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ، فَأَخَذَهَا فَعَالَجَهَا، فَمَنَعَتْ نَفْسَهَا، فَصَبَّ الْمَاءَ وَلَمْ يَفْتَرِعْهَا، فَسَاغَ الْمَاءُ فِيهَا، فَاسْتَمَرَّ بِهَا الْحَمْلُ، فَثَقُلَتْ بِغُلاَمٍ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَبَعَثَ إلَى زَوْجِهَا فَسَأَلَهُ فَصَدَّقَهَا، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ عُمَرُ: مَنْ أَغْلَقَ الْبَابَ أَوْ أَرْخَى السِّتْرَ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ، وَكَمُلَتْ الْعِدَّةُ. قال أبو محمد: وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ. قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ: فَمُخَالِفَانِ لِكُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلاَ نَعْلَمُ لَهُمَا حُجَّةً أَصْلاً، وَلاَ سَلَفًا فِي قَوْلِهِمَا، فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنْ أَغْلَقَ بَابًا، أَوْ أَرْخَى سِتْرًا فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ فَوَجَدْنَا مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}. قَالُوا: فَالصَّدَاقُ كُلُّهُ وَاجِبٌ لَهَا إِلاَّ أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ إجْمَاعٌ. وَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ لَهُ: فَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَخَوَيْ بَنِي الْعَجْلاَنِ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ أَيُّوبُ: فَقَالَ لِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: إنَّ فِي الْحَدِيثِ شَيْئًا لاَ أَرَاك تُحَدِّثُهُ قَالَ: قَالَ الرَّجُلُ: مَالِي قَالَ: قِيلَ: لاَ مَالَ لَك إنْ كُنْت صَادِقًا فَقَدْ دَخَلْت بِهَا. قال أبو محمد: لاَ حُجَّةَ فِي هَذَا لأََنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ لَمْ يَذْكُرْ مَنْ أَخْبَرَهُ بِهَذَا، فَحَصَلَ مُرْسَلاً، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ. وَأَيْضًا: فَإِنَّمَا فِيهِ قَالَ: قِيلَ: وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ فَسَقَطَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَقَدْ أَسْنَدَهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ هَذَا اللَّفْظَ لَكِنْ كَمَا، حَدَّثَنَا حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِلْمُتَلاَعِنَيْنِ حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ، أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالِي مَالِي، قَالَ: لاَ مَالَ لَكَ، إنْ كُنْت صَادِقًا عَلَيْهَا فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالُوا: فَالدُّخُولُ بِهَا اسْتِحْلاَلٌ لِفَرْجِهَا قال أبو محمد: هَذَا تَمْوِيهٌ، بَلْ حِينَ الْعَقْدِ لِلنِّكَاحِ يَصِحُّ اسْتِحْلاَلُهُ لِفَرْجِهَا فَلَوْلاَ نَصُّ الْقُرْآنِ بِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَمَسَّهَا حَتَّى طَلَّقَهَا فَنِصْفُ الصَّدَاقِ فَقَطْ لَكَانَ الْكُلُّ لَهَا، كَمَا هُوَ لَهَا إنْ مَاتَ أَوْ مَاتَتْ، فَوَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَ ذَلِكَ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي قوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ الْأُخْرَى خَصَّتْهَا، فَلَمْ يُوجِبْ الطَّلاَقُ قَبْلَ الْمَسِّ إِلاَّ نِصْفَ الصَّدَاقِ. وَشَغَبُوا أَيْضًا بِخَبَرٍ سَاقِطٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَالْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ يَزِيدَ الطَّائِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ كَعْبٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي غِفَارٍ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا رَأَى بِكَشْحِهَا بَيَاضًا فَقَالَ: الْبَسِي عَلَيْكِ ثِيَابَكَ وَالْحَقِي بِأَهْلِكِ. زَادَ الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ فِي رِوَايَتِهِ: وَأَمَرَ لَهَا بِالصَّدَاقِ كَامِلاً. قال أبو محمد: جَمِيلُ بْنُ زَيْدٍ سَاقِطٌ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ غَيْرُ ثِقَةٍ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لأََنَّهُ لَمْ يَقُلْ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ لَهَا وَاجِبٌ، بَلْ هُوَ تَفَضُّلٌ مِنْهُ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: أَوَّلُهَا أَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ. وَالثَّانِي أَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، وَابْنِ لَهِيعَةَ وَهُمَا ضَعِيفَانِ. وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ لِلدُّخُولِ ذِكْرٌ، وَلاَ أَثَرٌ، وَإِنَّمَا فِيهِ كَشْفُهَا وَالنَّظَرُ إلَى عَوْرَتِهَا، وَقَدْ يَفْعَلُ هَذَا بِغَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا، وَقَدْ لاَ يَفْعَلُهُ فِي مَدْخُولٍ بِهَا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ جَمِيعِهِمْ. ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ أَيْضًا: بَيَانُ أَنَّهُ فِي الْمُتَزَوِّجَةِ فَقَطْ، بَلْ ظَاهِرُهُ عُمُومٌ فِي كُلِّ زَوْجَةٍ وَغَيْرِهَا، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُتَعَلِّقٌ جُمْلَةً. وَأَمَّا مَنْ تَعَلَّقَ بِأَنَّهَا لَوْ حَمَلَتْ لُحِقَ الْوَلَدُ وَلَمْ تُحَدَّ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا؛ لأََنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَصْلاً، وَلاَ عُرِفَ أَنَّهُ خَلاَ بِهَا، لَكِنْ كَانَ اجْتِمَاعُهُ بِهَا سِرًّا مُمْكِنًا، فَحَمَلَتْ، فَالْوَلَدُ لاَحِقٌ، وَلاَ حَدَّ فِي ذَلِكَ أَصْلاً لأََنَّهَا فِرَاشٌ لَهُ حَلاَلاً مُذْ يَقَعُ الْعَقْدُ، لاَ مَعْنَى لِلدُّخُولِ فِي ذَلِكَ أَصْلاً، وَقَدْ تَحْمِلُ مِنْ غَيْرِ إيلاَجٍ، لَكِنْ بِتَشْفِيرٍ بَيْنَ الشَّفْرَيْنِ فَقَطْ وَكُلُّ هَذَا لاَ يُسَمَّى مَسًّا. فَإِنْ تَعَلَّقُوا بِمَنْ جَاءَ ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، فَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَدْ اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا فَوَجَبَ الرَّدُّ عِنْدَ التَّنَازُعِ إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، فَوَجَدْنَا الْقُرْآنَ لَمْ يُوجِبْ لَهَا بِعَدَمِ الْوَطْءِ إِلاَّ نِصْفَ الصَّدَاقِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ عُدِمَ الصَّدَاقُ بَعْدَ قَبْضِهَا لَهُ بِأَيِّ وَجْهٍ كَأَنْ تَلِفَ، أَوْ أَنْفَقَتْهُ: لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهَا، فَإِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ: فَلَهَا الْمَهْرُ كُلُّهُ. قَالَ عَلِيٌّ: إنْ كَانَ الْمَهْرُ شَيْئًا بِعَيْنِهِ فَتَلِفَ فِي يَدِ الزَّوْجِ، فَإِنْ كَانَتْ قَدْ طَلَبَتْهُ مِنْهُ فَمَنَعَهَا فَهُوَ غَاصِبٌ وَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ كُلُّهُ لَهَا، أَوْ ضَمَانُ نِصْفِهِ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَمْنَعْهَا إيَّاهُ فَهُوَ تَالِفٌ مِنْ مَالِ الْمَرْأَةِ، وَلاَ ضَمَانَ عَلَى الزَّوْجِ فِيهِ، وَلاَ فِي نِصْفِهِ، وَطِئَهَا أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ. وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَصِفُهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ بِكُلِّ حَالٍ، أَوْ لِنِصْفِهِ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ قَدْ قَبَضَتْهُ، فَسَوَاءٌ كَانَ بِعَيْنِهِ أَوْ بِصِفَةٍ، فَإِنْ تَلِفَ عِنْدَهَا فَهُوَ مِنْ مُصِيبَةِ الزَّوْجِ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: وَقَالَ تَعَالَى: قال أبو محمد: فَإِنْ بَقِيَ عِنْدَهَا النِّصْفُ فَهُوَ لَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَقِيَ بِيَدِهِ النِّصْفُ فَهُوَ لَهَا، فَلَوْ تَعَدَّتْ أَوْ تَعَدَّى عَلَيْهِ ضَمِنَ أَوْ ضَمِنَتْ. وقال أبو حنيفة: وَالشَّافِعِيُّ، فِي كُلِّ مَا هَلَكَ بِيَدِهَا مِنْ الصَّدَاقِ بِفِعْلِهَا أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهَا فَهِيَ ضَامِنَةٌ لَهُ قِيمَةَ نِصْفِهِ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ، لِمَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّهُ يُقْضَى لَهَا بِنِصْفِ غَيْرِ الَّذِي فَرَضَ لَهَا، وَهَذَا خِلاَفُ الْقُرْآنِ، وَقَدْ قلنا: إنَّهَا لَمْ تَعْتَدَّ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهَا. وقال مالك: مَا تَلِفَ بِيَدِهَا مِنْ غَيْرِ فِعْلِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلاَ شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا. قَالَ: فَلَوْ أَكَلَتْهُ أَوْ وَهَبَتْهُ، أَوْ كَانَ مَمْلُوكًا فَأَعْتَقَتْهُ أَوْ بَاعَتْهُ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ: ضَمِنَتْ لَهُ نِصْفَ مَا أَخَذَتْ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ، أَوْ نِصْفَ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مِمَّا لاَ مِثْلَ لَهُ، فَإِنْ كَانَتْ ابْتَاعَتْ بِذَلِكَ شُورَةً فَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ نِصْفُ الشَّيْءِ الَّذِي اشْتَرَتْ. قال أبو محمد: وَهَذِهِ مُنَاقَضَاتٌ ظَاهِرَةٌ؛ لأََنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ مَا أَكَلَتْ وَوَهَبَتْ وَأَعْتَقَتْ، وَبَيْنَ مَا تَلِفَ بِغَيْرِ فِعْلِهَا، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، لأََنَّهَا فِي كُلِّ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَعَدِّيَةٍ، وَلاَ ظَالِمَةٍ، فَلاَ شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا. ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَ مَا أَعْتَقَتْ وَأَكَلَتْ وَوَهَبَتْ، وَبَيْنَ مَا اشْتَرَتْ بِهِ شُورَةً وَهَذَا قَوْلٌ لاَ يُعَضِّدُهُ برهان مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ. وَادَّعَوْا فِي ذَلِكَ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهَذَا احْتِجَاجٌ فَاسِدٌ، لأََنَّهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ عَمَلَ الأَئِمَّةِ الَّذِينَ كَانُوا بِالْمَدِينَةِ، رضي الله عنهم، فَيُعِيذُهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَنْ لاَ يَأْمُرُوا بِالْحَقِّ عُمَّالَهُمْ بِالْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَسَائِرِ الْبِلاَدِ وَهَذَا بَاطِلٌ مَقْطُوعٌ بِهِ مِمَّنْ ادَّعَاهُ عَلَيْهِمْ. فَإِنْ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ فَعَلُوا فَبَدَّلَ ذَلِكَ أَهْلُ الأَمْصَارِ كَانَتْ دَعْوَى فَاسِدَةً، وَلَمْ يَكُنْ فُقَهَاءُ الأَمْصَارِ أَوْلَى بِالتَّبْدِيلِ مِنْ تَابِعِي الْمَدِينَةِ. وَكُلُّ هَذَا بَاطِلٌ قَدْ أَعَاذَ اللَّهُ جَمِيعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ فَصَحَّ أَنَّهُ اجْتِهَادٌ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ قَصَدَتْ بِهِ الْخَيْرَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
|